السبت، 3 سبتمبر 2011

فحص دم للوطنية




علمتنا الأشهر الماضية، أننا أمة لا تعرف الحوار، ولا تؤمن بالرأي والرأي الآخر إلا في الشعارات التسويقية. علمتنا أن المثقف العربي يتمترس خلف رأيه غير مستعد لا لمناقشة الرأي الآخر فحسب، وإنما حتى للإصغاء إليه.

نحن ندرك أن بعض المثقفين ينطلقون من حالات شخصية، ما يعني أنها ضيقة الأفق بالضرورة، كحماية الوظيفة وبعض الامتيازات التي لا تزيد على كونها فتات الموائد. وندرك أن البعض الآخر منخرط في مشروعات تتعلق بالانتشار العربي والعالمي والحصول على جوائز لا يحتاج الحصول عليها سوى قليل من ترداد مقولات اللبرلة الجديدة في العالم العربي، لكن ما لا ندركه بحق، هو هذه المواقف التكفيرية الجديدة التي أخذت تنتشر بيننا، فإما أن تكون « هكذا » أو أنك خائن أو عميل أو ما شابه ذلك، لا مجال هنا للتساؤل عن أي تفصيل أياً تكن أهميته. ثمة إعلام كاسر يضخ يومياً آلاف الصور والمعلومات والتصريحات والأخبار، لكي يضيع المواطن بين هذا كله، ولا يعود قادراً على التقاط أنفاسه، قبل أن نقول التأمل والتفكير والتفسير والتحليل.

مثل هذه الكتابة، تشبه الكتابة « القَبْليّة » التي تنطلق من ثوابت غير قابلة للمس أو المساءلة، وكتابة كهذه هي بالضرورة كتابة بوليسية وتكفيرية، لأنها غير قابلة للتعاطي مع أي رأي آخر ما لم يكن « قبْليّاً » وبوليسياً مثله.

ممنوع عليك كونك كاتباً أو مثقفاً أو مواطناً عادياً، أن تتساءل عن جوهر الثورات العربية، عن برامجها، قياداتها، أهدافها، مستقبلها، وممنوع أيضاً أن تشك في ارتباطاتها، حتى لو كان « الأطلسي » هو الراعي والمشرف والممول والشريك، هذا إن لم نقل هو صاحب الثورة من ألفها إلى يائها.

هنا يأتي من يقول لك بغضب: هل تتهم الشعب المصرى او السورى او الليبى او اليمنى بالعمالة ,
والسؤال في حد ذاته ليس إلا تنفيساً عن غضب داخلي، فمن هو الذي يجرؤ على اتهام شعب بالعمالة والتواطؤ؟ ومن قال إن قوانين الصراع تترك فرصة لمثل هذا الموقف غير المنطقي؟

لم تخرج الآلاف في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية تواطؤاً أو خيانة لبلادها، بل لم تخرج إلا لنيل حريتها وكرامتها، لكن القيادات والتوجيهات والعلاقات بين القيادات والغرب الإجرامي، هي التي تفرض علينا أسئلة كثيرة. وبينما يسمح الغرب بآراء داخلية متباينة، نرفض نحن أي تباين أو شك أو حتى تساؤل.

نحن على ما يبدو من أهل اليقين والمطلق، ونحن على ما يبدو لا نستخدم العقل، طالما كان ثمة خبر وصورة وشاهد عيان، والمشكلة الأكبر هي أننا شعب سريع النسيان.

إما أن نكون مع « الناتو » أو مع نظام فاسد. وإما أن نقبل قصف المدن العربية، وقتل ملايين العرب كما جرى في العراق وليبيا، أو نكون متهمين بالتصفيق للقمع والدولة البوليسية.

المطلوب ألا تضعونا أمام هذه المعادلة، فنحن لا ندافع عن أنظمة، بل عن أفكار ومواقف وقيم، ونرفض إهانة أي مواطن عربي في أي صورة كانت، لكننا لن نقف مع « الناتو » في ضرب بلادنا وقتل نسائنا وأطفالنا باسم الحرية وحقوق الإنسان. ليكن الإعلام كله تحت أيديكم، ولنا الثقة الكاملة بأنفسنا التي ترفض المقايضات وتسليم البلاد والعباد. ولن نقبل من أحد أن يطلب منا فحص دم لمقياس العروبة والحرية والعدالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق