حادثة كوبري عباس
هي حادثة شهيرة في تاريخ مصر الحديث، حدثت في عهد وزارة محمود فهمي النقراشي عام 1946 م في عهد الملك فاروق، و بالتحديد في يوم 6 فبراير 1946م.
فماذا حدث في ذلك اليوم فأصبح يوم شهير في تاريخ مصر الحديث؟
بعد اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر في فبراير 1945م كلف الملك فاروق محمود فهمي النقراشي بتشكيل الوزارة من أحزاب الأقلية و هي الحزب السعدي الذي ينتمي له النقراشي و حزب الأحرار الدستوريين و حزب الكتلة بزعامة مكرم عبيد.
و بعد تولي النقراشي الوزارة أعاد فتح باب المفاوضات مرة أخري مع بريطانيا حول الجلاء و حاول إحياء اتفاق صدقي-بيفن الذي أفشلته المظاهرات الشعبية و استقالة صدقي، فتقدمت حكومته في 20 ديسمبر 1945 م بمذكرة للسفير البريطاني بطلب بدء المفاوضات حول الجلاء. و كان الشعب المصري تحدوه آمال عريضة في قرب الاستقلال بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية و تأسست الأمم المتحدة التي أخذت تلعب دوراً مناصراً للشعوب في تقربر مصيرها.
و لكن الرد البريطاني في 26 يناير 1946 عاد وأكد علي الثوابت الرئيسية التي قامت عليها معاهدة 1936م و التي أعطت مصر استقلالاُ منقوصاً يتمثل في بقاء قوات بريطانية في مصر لتأمين قناة السويس، فكان الرد البريطاني بمثابة صفعة لكل آمال الشعب المصري، فاندلعت المظاهرات العارمة للطلبة في كل أنحاء مصر تطالب بالجلاء و قطع المفاوضات.
و في يوم 9 فبراير 1946م خرج الطلبة في مظاهرة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) إلي قصر عابدين و سلكوا طريق كوبري عباس، و تصدي لهم البوليس و حاصرهم فوق الكوبري و تم فتح الكوبري أثناء محاصرة الطلبة، فسقط العديد من الطلبة من فوق الكوبري في النيل.
أطلق البعض علي هذا الحدث مذبحة كوبري عباس. و الحقيقة أن المؤرخين اختلفوا في المتهم الأول في هذه الحادث الأليم، كما اختلفوا في ضخامة الحدث نفسه. فالكثير ألقي بالتبعة علي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الذي كان رئيساً للوزراء و كان يتولي وزارة الداخلية أيضاً في تلك الوزراة، فاتخذ إجراءات قمعية ضد مظاهرات الطلبة و أطلق يد البوليس في استخدام العنف ضدهم.
و البعض الآخر يتهم حكمداري القاهرة راسل باشا و الجيزة فيتز باتريك باشا، لأنهما المسؤلا عن قمع مظاهرات الطلبة باستخدام اساليب غاية في القسوة.
و اختلف المؤرخون أيضاً حول ضخامة الحادث، فالبعض يقول أن مئات الطلبة قد أصيبوا إصابات بالغة، و البعض الآخر يقول أن الإصابات لم تتعدي 89 من الطلبة و الأهالي و 15 من البوليس. و يكاد يكون هناك إجماع علي عدم وجود خسائر في الأرواح نتجت عن الحادث إلا حالة واحدة لطالب في كلية التجارة سقط تحت عجلات سيارة نقل في مكان الحادث.
و من اسباب اكتساب هذا الحدث شهرته الكبيرة ليس كثرة ما وقع فيه من خسائر بشرية، فهي لا تقارن بالخسائر البشرية في ثورة 1919م، و إنما بسبب درامية الحادث. فهو لم يأخذ شكلاً تقليدياً للمصادمات بين البوليس و المتظاهرين استخدمت فيه العصي و الحجارة، و إنما أخذ شكلاً غير تقليدي بمحاصرة المتظارهين فوق أحد الكباري علي النيل ثم فتح الكوبري عليهم ليسقطوا في النيل.
و الحقيقة أن هذا الحادث ظل نكتة سوداء في تاريخ النقراشي، و استخدمه الوفد للنيل من النقراشي، و استخدمته أيضاً حكومة الثورة للنيل من العهد السابق كله. و ظل الناس حتي اليوم يتعارفون عليه باسم حادثة كوبري عباس
و يري البعض أن الحادث يقع في نطاق المصادمات العادية والمتكررة التي حدثت بين البوليس وبين الطلبة والعمال في تلك الفترة التي كانت تموج بالمظاهرات الشعبية. بينما يري البعض الآخر أن الحادث كان مذبحة لم تشهد مصر مثلها في تاريخها الحديث. وبين إنكار البعض ومبالغة البعض الآخر لم تزل الحقيقة غائبة.
هذا الحادث لم يمنع الملك فاروق من منح نيشان محمد علي لرئيس الوزراء النقراشي باشا مما دل علي استهتار الملك بمشاعر الناس ولامبالاه إزاء ارواح شهداء الطلبة التي راحت في هذا الحادث.
و بدأت تتزايد مظاهرات الطلبة ضد الملك وخاصة في احتفالات عيد ميلاده. ولم يدرك فاروق تغير المزاج العام، وإنما حمٌل الوزارة مسئولية الاضطرابات، فقام بتغيير وزارة النقراشي وتشكيل وزارة جديدة برئاسة إسماعيل صدقي في 16 فبراير 1946م، وهو المتمرس في قمع الحركات الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق