تفاصيل الأزمة بين الرئيس والمشير التي أطاحت بحكم العسكر
كشف الكاتب الصحفي ياسر رزق عن تفاصيل جديدة، تتعلق بالأيام الأخيرة قبل إعلان تقاعد المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري السابق، وسر الأزمة التي أطاحت بـ"المشير، والفريق"، وكيف تجنب الرئيس محمد مرسي، الصدام مع الجيش.
وقال "رزق"، في مقاله المنشور بـ"المصري اليوم"، الأحد:" قبل جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بأربعة أيام، سألت المرشح الرئاسي الدكتور محمد مرسى: لو فزت كيف ستتعامل مع قيادة القوات المسلحة، خاصة أن الرئيس المنتخب لن يكون قائدها الأعلى، إلا بعد إقرار الدستور الجديد؟، رد الدكتور مرسى قائلاً: إحنا حنحمرق من أولها!، قلت: إذن أنت تفكر في تغيير قيادة المجلس العسكري؟، أجاب بابتسامة: المجلس الأعلى للقوات المسلحة لابد أن يستشار ويؤخذ رأيه في شأن وزير الدفاع، لأن لهم قوانين وأعرافا خاصة بهم.. بعدها بيومين سألت المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق: إذا نجحت.. هل من ضمن أولوياتك تجديد شباب قيادة القوات المسلحة؟، صمت الفريق قليلاً.. ثم رد بخبث: وهل التجديد أمر غير مستحب؟!.
وأضاف: على غير ما يتصور الكثيرون، كان كبار القادة العسكريين يفضلون مرسى على شفيق، فالأول في ظنهم لن يغير في تركيبة القيادة على المدى المنظور، أما الثاني فسوف "يدب" أصابعه من أول يوم، بحكم خبرته العسكرية ومعرفته الدقيقة بالقادة الكبار، وأذكر قبل إجراء الجولة الأولى للانتخابات، حينما كانت التوقعات تنحصر بين اسمى عمرو موسى ود. عبدالمنعم أبو الفتوح، أن أحد أبرز القادة قال لي: إن د. محمد مرسى سيكون أحد طرفي جولة الإعادة وفقا للتقديرات الدقيقة التي يتلقاها. وأذكر أيضا أن قائداً أعلى رتبة قال لي بصراحة: "رتبوا أنفسكم على أن مرسى هو الرئيس القادم".. ورددت عليه بنفس الصراحة: "المهم.. هل رتبتم أنتم أنفسكم؟!".. لكنه لم يجب!.
وأكمل: يقينا.. أعلم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يتدخل في أحكام المحكمة الدستورية العليا ولو بالتلميح. وحينما طلب أحد القادة العسكريين من المشير حسين طنطاوي أن يرسل ولو إشارة إلى المحكمة لتوجيه حكمها بشأن العزل السياسي ومن ثم إعادة انتخابات الرئاسة، رد المشير غاضباً: "هذا يتنافى مع شرفي الوطني والعسكري".. أعلم يقينا- أيضا- أن أحداً من أعضاء المجلس الأعلى لم يكن يعرف اسم المرشح الفائز في جولة الإعادة قبل أن ينطق به المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بل إن المشير طنطاوي ونائبه الفريق سامى عنان تلقيا النبأ عبر شاشة التليفزيون في مقر وزارة الدفاع.
واستطرد: لست أعتقد في صحة ما تردد كثيراً عن وجود صفقة بين الإخوان والمجلس العسكري توجت بإعلان فوز د. محمد مرسى، وإقصاء الفريق أحمد شفيق، غير أنى لا أستطيع أن أتجاهل شواهد لاحظتها وعلمت بها تقول إن هناك من بين أعضاء المجلس العسكري من أقام لنفسه ولحسابه الشخصي قناة اتصال أو جسراً أو «أوتوستراد» مع قيادات الجماعة سعيا لمكان أو مكانة أو حصانة في دولة «المرشد» القادمة لا محالة!.. على كل حال.. فاز مرسى بالرئاسة، وسط منغصات كادت تطغى على فرحته كإنسان كان قبلها بخمسة عشر شهراً رهن الاعتقال في سجون مبارك، ثم شاء القدر أن يجلس على كرسيه وأن يقبع سجانه وراء القضبان!
وأكمل: كان مرسى يشعر بأن المشير طنطاوي تحديداً قطع عليه الطريق وقصقص صلاحياته كرئيس للجمهورية عندما أصدر الإعلان الدستوري المكمل قبيل إجراء جولة الإعادة، والذى يعطى للمجلس العسكري سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة ويعيد إليه سلطة التشريع بعد حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، ويمنح المجلس الأعلى حق "الفيتو" على قرارات الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور. والأهم أن الإعلان المكمل كان يفرض على الرئيس المنتخب أن يؤدى اليمين أمام المحكمة الدستورية، على غير هواه، وعلى غير رغبة الجماعة التي كانت ترى في هذا اعترافا بحكم حل مجلس الشعب!..
انتهت أزمة أداء اليمين الدستورية، وذهب مرسى إلى قاعدة "الهايكستب" العسكرية، ليتسلم السلطة رسميا من المشير طنطاوي يوم 30 يونيو الماضي، ورغم أن المشير تحاشى أن يؤدى التحية العسكرية للرئيس الجديد كما ينبغي، وبدا عليه عدم الراحة حينما خاطب الرئيس مرسى القادة قائلاً: "إننى أطلب منكم ولا أقول آمركم".. إلا أن العد التنازلي لإقصائه من قيادة القوات المسلحة بدأ فعلا منذ هذا اليوم، حينما غلبه تردده ولم يعلن ترجله أو اعتزاله في هذه المناسبة وهو في ذروة سلطته كحاكم للبلاد على مدار أكثر من 16 شهراً، وآثر أن يستمع إلى أولئك الذين دعوه للبقاء في منصبه شهوراً أخرى يعيد فيها ترتيب أوضاع القوات المسلحة، ويختار خليفته وهيئة القيادة العليا.
وواصل "رزق" سرده للأحداث: سقط قادة المجلس العسكري في براثن فكرة سيطرت عليهم وتحولت إلى واحدة من المسلمات، وهى أن مرسى لن يستطيع إلغاء الإعلان العسكري المكمل، ولن يستطيع أن يمارس دور القائد الأعلى للقوات المسلحة إلا بعد إقرار الدستور الجديد، وحتى لو أراد بعدها فلن يقدر على تغيير القيادة العسكرية إلا بطلب من رأس القيادة وبرغبة منه مصحوبة بقائمة تعيينات القادة الجدد.. للحق كانت قلة من القيادات العليا بالقوات المسلحة تقرأ وقائع ما سيحدث، وأسدت النصح للمشير طنطاوي بالاعتزال في الأسابيع الأولى من شهر يوليو حتى يضمن خروجاً مشرفا له واختيار خليفته قبل الخروج، وكان هؤلاء يعون درس الرئيس السادات في 15 مايو 1971، وهو أن أدوات القوة مهما بلغ عنفوانها أضعف كثيراً من شرعية منصب الرئيس.. بعد توليه منصبه بخمسة أيام حضر الرئيس مرسى احتفالي الكلية البحرية وكلية الدفاع الجوي بتخريج دفعتين جديدتين، وإذا كنت- ومعي غيرى من الحضور- قد لاحظت تلكؤ بعض القادة في أداء التحية العسكرية للرئيس وفتور الترحيب به، فلابد أن الرئيس لاحظ وامتعض..
بعدها بثلاثة أيام.. أصدر الرئيس مرسى قراره المفاجئ بإلغاء قرار المشير طنطاوي بنفاذ حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص بحل مجلس الشعب. أثار القرار غضبا واسعا في الشارع المصري وفى صفوف القيادة العسكرية، لدرجة أن المشير طنطاوي حاول أن يثنى الرئيس عن حضور احتفالي المعهد الفني والكلية الفنية العسكرية صباح اليوم التالي، وقال له: "أنصحك بعدم الحضور لأن الناس عندنا محتقنة"، ورد عليه الرئيس قائلاً: "برضه سأحضر!".. كان استقبال الرئيس في الاحتفالين شديد الفتور، ولم يكن صعبا أن تسمع قرب مكان جلوسه في المنصة، عبارات غاضبة من القادة تقدح في أهليته لشغل منصبه!.. أكمل الرئيس مرسى حضور باقي احتفالات التخريج في الكلية الجوية ثم الكلية الحربية يوم 17 يوليو..
حل شهر رمضان.. والتقى الرئيس مرسى بقادة القوات المسلحة على مأدبة إفطار يوم 29 يوليو، وكانت أهم ملاحظة أبداها الرئيس لكبار القادة هي أنهم حرصوا على خلع "كاباتهم" حتى لا يؤدوا له التحية العسكرية.. كانت إشارة الرئيس تعكس استياءه من عدم معاملته كقائد أعلى للقوات المسلحة، رغم أن الإعلان الدستوري وكذلك الإعلان المكمل لا يعطيان رئيس الجمهورية هذه الصلاحية. وبدا واضحا أنه منشغل بهذه القضية أكثر من سواها، وربما كان هناك من يغذى في نفس الرئيس استعجال تولى مهام القائد الأعلى، من قبل أن يوضع نص في الدستور يكفل له هذه السلطة المتعارف على أنها من اختصاص رأس الدولة!..
بعد حفل الإفطار بأسبوع.. وقع حادث رفح.. كان الحادث فرصة ذهبية لجماعة "الإخوان المسلمين" للكيد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإظهاره أمام الشعب في صورة من تهاون في أداء أهم مسؤولياته وهى الاستعداد القتالي، من فرط انشغاله بمسؤولية ليست من اختصاصه وهى الحياة السياسية.. ولست أشك في أن الرئيس مرسى قد تألم أشد الألم لحادث رفح المأساوي، لكن لا تراودني أي ظنون في أنه تلقف الحادث لضرب ضربته التي كان يتحينها بالأسلوب السادات!.. في الأيام الثلاثة التالية لحادث رفح، تتابعت عدة إشارات حمراء تنذر بأن قطار مرسى قادم لا يلوى على شيء، لكن من كان يسمع ومن كان يرى؟!..
على التوالي.. أعفى مرسى اللواء مراد موافى من منصبه كرئيس للمخابرات العامة يوم 8 أغسطس بحجة أنه أدلى بتصريح يبرئ فيه ساحة المخابرات من المسؤولية عن حادث رفح ويلقى باللائمة على القوات المسلحة والرئاسة، وقيل يومئذ إن الإعفاء كان بطلب من المشير طنطاوي، غير أن ذلك بعيد تماماً عن الصحة، والحقيقة أن مرسى كان يعتزم مبكراً عزل موافى من منصبه لحرمان قادة المجلس العسكري من أي معلومات تكشف نواياه، بدليل أنه حذف اسمه قبل حادث رفح بأسبوع من قائمة أعضاء الوفد الرسمي الذى سيرافقه إلى الصين، وحين علم موافى بذلك أدرك أن إعفاءه من منصبه مسألة وقت.. ثم استغل مرسى عدم تأمين كبار المسؤولين في جنازة شهداء رفح بالصورة الواجبة، ونصيحة اللواء نجيب عبدالسلام قائد الحرس الجمهوري له بعدم الذهاب إلى الجنازة، ليعزل قائد الحرس ويطلب من المشير عزل اللواء حمدي بدين مدير الشرطة العسكرية، وكان هدف الرئيس هو تأمين نفسه بتعيين قائد حرس جمهوري جديد غير الذى انصاع لأوامر المشير طنطاوي في ذروة أيام الثورة، وفتح الطريق نحو إقصاء مبارك، وإبعاد اللواء بدين عن الشرطة العسكرية الطى قد تعرقل خطوته القادمة في إقصاء القيادة العليا للقوات المسلحة..
قلة محدودة من الناس تنبهت إلى لقاءات ثلاثة عقدها الرئيس مرسى في تلك الأيام مع وزير الدولة للإنتاج الحربى ورئيس هيئة قناة السويس ورئيس الهيئة العربية للتصنيع، وعدد أقل أدرك أن الرئيس يرتب لتعيين قادة الأفرع الرئيسية الثلاثة في تلك المناصب بعد إخراجهم من مواقعهم العسكرية، فقد بدا أن الفريق مهاب مميش قائد القوات البحرية سيعين لهيئة قناة السويس، وأن الفريق عبدالعزيز سيف الدين قائد الدفاع الجوي والفريق رضا حافظ قائد القوات الجوية سيعينان للمنصبين الآخرين.. في اليوم التالي لعزل موافى وبدين وقائد الحرس الجمهوري، انعقد المجلس الأعلى "المصغر" للقوات المسلحة، وطلب بعض القادة تقديم استقالة جماعية إلى رئيس الجمهورية، وجرى التصويت على الاقتراح، لكنه لم ينل إلا موافقة 4 أعضاء، بينما اعترض عليه 13 عضواً، وصرخ أحد الأعضاء في المعترضين قائلاً: نخرج بكرامتنا بدل أن يخرجونا.
واستدعى المشير طنطاوي إلى مقر الرئاسة للقاء الرئيس مرسى للتباحث معه في تداعيات حادث رفح، وتقرر أن يقوم الرئيس بزيارة موقع الأحداث في رفح.. بالفعل.. ذهب الرئيس مرسى إلى رفح بعد صلاة الجمعة يرافقه المشير طنطاوي والفريق سامى عنان واللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية واللواء أحمد وصفى قائد الجيش الثاني الميداني.. أثار انتباه من تابع الزيارة أمران.. أولهما حرص الرئيس وهو مدنى على أن يقول للضباط إنه جاء إلى رفح لكى «يقودهم»، والثاني تعليقات المشير طنطاوي غير المكترثة بما يقوله الرئيس!.. في نفس الليلة.. التقى الرئيس مرسى بعد عودته من رفح في قصر الاتحادية مع أعضاء المجلس العسكري المصغر، وفى الصالون الملحق بقاعة الاجتماع، مال أحد كبار القادة على أذن المشير طنطاوي وقال له:- "امشى ومعاك عنان وقادة الأفرع الثلاثة، وهات السيسي وزيرا للدفاع. صدقني هذا هو أسلم حل".. لكن المشير لم يعلق..
بعد 36 ساعة من الاجتماع.. كان المجلس العسكري «المصغر» منعقدا في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، وكان المشير يتحدث عن موارد القوات المسلحة وبعض شؤونها، ثم اعتذر عن عدم إكمال الاجتماع وترك رئاسته للفريق سامى عنان، واصطحب معه اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية للقاء مرتب مع الرئيس في الساعة الثانية ظهراً.. ذهب طنطاوي ونصر إلى صالون الرئيس، وتحدث معهما عن أرصدة القوات المسلحة، وكان يريد حوالى 1.5 مليار دولار غير 1.7 مليار دولار سبق أن استقطعت من الأرصدة للوفاء ببعض مستلزمات الدولة. شرح اللواء محمود نصر للرئيس التزامات القوات المسلحة المالية، وأن أرصدتها لا تكاد تكفى خطة تطوير التسليح الضرورية للحفاظ على كفاءة القوات المسلحة.. أثناء اللقاء أرسل الرئيس في استدعاء الفريق سامى عنان، وجاء عنان وكان المستشار محمود مكى قد انضم إلى اللقاء. استأذن مرسى من الحاضرين، وخرج إلى قاعة مجاورة، وفيها كان ينتظره اللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية الذى وصل إلى مقر الرئاسة بعد إبلاغه باستدعاء الرئيس له للحضور.. قبل أن يقابل الرئيس مرسى اللواء السيسي، كان عدد من المسؤولين قد أبلغوا السيسي أنه سيؤدى اليمين وزيراً للدفاع، وسألهم: هل يعرف المشير؟!..أجابوه: نعم وهو الذى رشحك.. وأدى السيسي اليمين أمام مرسى وهو يرتدى على كتفيه رتبة اللواء. فقد جاء دون أن يعلم أنه سيعين وزيراً أو أنه قد رُقّى إلى رتبة الفريق أول.
بعد مراسم اليمين.. عاد الرئيس إلى الصالون، وقال للمشير طنطاوي والفريق سامى عنان، إنه عين السيسي وزيراً للدفاع، وأنه قرر تعيينهما مستشارين له، ومنح طنطاوي قلادة النيل العظمى وعنان قلادة الجمهورية، فقال له المشير طنطاوي: - لكن الإعلان الدستوري المكمل لا يعطيك حق تعيين قادة القوات المسلحة.. رد الرئيس قائلاً: الإعلان المكمل لغيته.. وعندما طلب اللواء محمود نصر إعفاءه من الاستمرار في الخدمة.. قال له الرئيس: نحن نحتاج إليك في هذه المرحلة.. تلقى المشير طنطاوي والفريق عنان القرار بهدوء.. كان العصر قد حل، ودعاهما الرئيس مرسى إلى أداء الفرض، وأمّهما في الصلاة، وكان معهما المستشار محمود مكى واللواء محمود نصر.. وتصافح المصلون داعين الله أن يتقبل من كل منهم صلاته!
خرج المشير طنطاوي والفريق سامى عنان من قصر الاتحادية إلى مقر وزارة الدفاع، وأثناء خروجهما شاهدا د. ياسر على المتحدث الرسمي على شاشة التليفزيون يعلن قرارات رئيس الجمهورية.. عندما وصل المشير طنطاوي إلى مكتب وزير الدفاع، كان الفريق أول عبدالفتاح السيسي قد سبقه في القدوم من مقر الرئاسة، معتقداً أن المشير هو الذى سبقه.. شكر "السيسي" طنطاوي، وقال له: لم أكن لأؤدى اليمين، لولا عرفت أنك قد رشحتنى، رد المشير قائلاً: لم أكن أعرف، على الفور قال السيسي بإخلاص: "لو سيادتك غير راض لن أستمر"، ــ وبهدوء رد عليه المشير: مش حنلاقى حد أحسن منك يا عبدالفتاح.. إنت عارف إنك بمثابة ابنى.
لم يكن اختيار اللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية وزيرا للدفاع، مفاجئاً لأحد من القادة أو الضباط ذوى الرتب الصغرى، أو لأحد من النخبة السياسية والفكرية الطى التقته في مناسبات مختلفة منذ الأيام الأولى لتولى المجلس العسكري شؤون إدارة البلاد، وشد انتباهها بهدوئه وثقافته وتفكيره الاستراتيجي المرتب. كان الجميع يدرك أن هذا الجنرال الشاب هو الرجل القادم إلى رأس أقدم مؤسسة عسكرية في التاريخ.. ولم يكن اختيار الفريق صدقي صبحى، قائد الجيش الثالث، رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة أيضا مفاجئا لأحد من القادة أو الضباط، وكنت ممن يظنون أنه ثاني اثنين سيتقلدان مسؤولية الجيش المصري بعد تسليمه سلطة الحكم إلى الرئيس الجديد.. اعتقادي أن الرئيس مرسى قد اختار توقيت إقصاء المشير طنطاوي والفريق سامى عنان، لكنه لم ينفرد باختيار وزير الدفاع ورئيس الأركان الجديد، وظني أن هناك من شعر أن الرئيس يريد إبعاد رجلي السلطة الانتقالية القويين، فنقل إليه رغبة رجال القوات المسلحة في أن يكون السيسي وصبحى هما الخَلَفين..
وأنهى رزق مقاله قائلا: الآن.. أصبح الرئيس محمد مرسى بحكم الواقع- لا القانون- قائداً أعلى للقوات المسلحة، وزالت ازدواجية السلطة الطى كانت تنغص عليه فرحته بالمنصب وتقلل من شأن مقامه كرأس للدولة.. انتهى الفصل قبل الأخير في علاقة الرئيس بالمؤسسة العسكرية، وبدأ فصل جديد أرجو أن تبتعد فيه العلاقة عن مناخ الشك وأجواء الصدام، والرهان عليها رابح إذا اقترب الرئيس من الجيش وابتعد عن الجماعة، وتخلى عن تبنى ميراثها الثأري مع القوات المسلحة.. إذا حرص على نقاء عقيدة القوات المسلحة كجيش وطني لا يعتنق الحزبية، وتصدى لأفكار تريد أن تزرع في الدستور نصا مدمراً يحظر التمييز في الالتحاق بالقوات المسلحة على أساس حزبي.. إذا وقف في خندق جيشه يدفع معه من يحاولون بذر الشقاق في صفوفه بغرض تطويعه وأدلجته، أو يريدون شغله عن مهامه السامية وجره إلى حرب استنزاف مع جماعات الإرهاب في أقدس بقعة مصرية.. إذا تصرف على أنه قائد لفريق وليس مجرد لاعب في جماعة.. هل بدأنا فصلاً جديداً مختلفا، أم أننا ندلف إلى نفق أشد إظلاماً؟!.