الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012


هل جندت المخابرات المصرية رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير
 ** ( المصريون ) تتحدي الجانب الإسرائيلي .. بأسرار وحقاق تذاع لأول مرة في صحيفة عربية أو عالمية
 ** جولدا مائير هي من حذر الرئيس السادات فجر السبت من إنكشاف ساعة الصفر .. فتم تقديم موعد العبور وتحقق النصر .. وإسألوا الأمريكيين عن ذلك ..
 ** الجنرال ديفيد بن إليعازر .. فور خروجي من إجتماع هيئة الحرب مع مائير تساءلت متشككا .. هل جولدا تعمل معنا أم مع الجانب الآخر ..؟!
  **  لماذا رفضت مائير التصديق علي طلب رئيس أركانها بتوجيه ضربة إجهاضية إستباقية للقوات المصرية صبيحة يوم عيد الغفران .. بل وعنفته بشدة ..!!
  ** السفير الأمريكي في تل أبيب وقتها كينت كيتنج .. سألت رئيسة وزراء إسرائيل مندهشا .. هل أنتم مصممون علي عدم توجيه ضربة إجهاضية للمصريين .. فصاحت في وجهي نعم نحن مصممون .. نحن مصممون !!!
  ** موشي ديان صرخ مطالبا بتعبئة الإحتياط فورا .. فنهرته جولدا وحذرته وإكتفت فقط بالتصديق علي لواءين مدرعين .. وهو ما منح المصريين الفرصة لتثبيت رؤوس الكباري ..
  ** عندما علق إيجال آلون قائلا .. من غير المعقول أن يضرب المصريون ضربتهم في السادسة بل هي الرابعة .. فأنهت مائير الإجتماع علي الفور وطلبت الإنفراد بنفسها .. والسؤال هو لماذا ؟؟
 **  لأن المقدمات المنطقية .. تؤدي إلي نتائج منطقية .. المصريون يشكرون جولدا مائير علي حسن تعاونها معهم  ..
 سيظل إنتصار اكتوبر العظيم شاهدا علي عبقرية المقاتل المصري وجسارته فهو خير أجناد الأرض ، وسيقي تجسيدا حيا لإرادة وعزيمة شعب لا ينحني أو ينكسر مهما إشتدت عليه وطأة المحن ، ورمزا حقيقيا يعد فخرا لكل عربي مؤمن بقضيته ، وإمتدادا لا ينفصم عن معارك عربية إسلامية خالدة غيرت وجه التاريخ والحضارة في بقاع الدنيا المختلفة من القادسية إلي اليرموك ..  ومن حطين إلي عين جالوت ..
وبعد مرور 39 عاما علي إنتصار السادس من اكتوبر عام 1973 .. ونحن نحتفل بذكري النصر العظيم والذي تصادف أن يكون هو الآخر يوم السبت . مازالت الأسرار والخبايا تتكشف لتعلن عن مفاجأت خطيرة لم يمط أحدهم اللثام عنها من قبل قد تقلب الأمور والموازيين رأسا علي عقب ..
واليوم تكشف ( المصريون ) علي صفحاتها عن واحدة من تلك المفاجأت المدوية التي قد تطيح بعقل جنرالات الحرب والمخابرات في إسرائيل وتزلزل الأرض من تحت أقدامهم وهي تنفجر في وجوههم عندما يكتشفون لأول مرة كيف صفعهم المصريون علي أقفيتهم  ..
يقول موشي ديان الجنرال المهزوم في حرب 73 ساخرا  أن العرب لا يقرءون .. وعندما قرأنا وبحثنا ودققنا ومحصنا وقلبنا الأمور علي كافة جوانبها .. توصلنا إلي ما قد يشيب له شعر رأس الوليد في تل أبيب من هول ما سيقرأه عن العار الذي ألحقه المصريين  بأهم  قادتهم علي مدار تاريخهم الدموي القبيح ..
و السطور التالية تعد ملخصا شافيا للدور الهام الذي لعبته رئيسة وزراء إسرائيل خلال أخطر 48 ساعة قبل حرب يوم عيد الغفران بداية من يوم الخميس الرابع من اكتوبر  حتي الساعة الثانية وخمس دقائق ظهيرة يوم السبت العاشر من رمضان .. عندما إنطلقت جحافل الجيش المصري لتدك الحصون الإسرائيلية دكا شرق قناة السويس.. لنوضح فيه بالأدلة والقرائن الموثقة كيف ساعدت جولدا مائير المصريين في تحقيق النصر العظيم ..

و هو دور لا تفسير له إلا بإثارة المزيد من التساؤلات التي تفترق وتتقابل وتتقاطع وتتشابك حتي نصل إلي سؤال واحد لا ثاني له .. هل كانت جولدا مائير عملية نائمة للمخابرات المصرية ..؟؟؟ .. تم تجنيدها والسيطرة عليها من قبل صقور مصر ليتم إستخدامها في اللحظات الفاصلة التي تعصف بأعصاب أشد الرجال ثباتا ..؟؟
لكن من هو العميل النائم ..؟؟  يقول ماهر عبد الحميد مؤلف كتاب ( المفاجأة )  أن العميل النائم هو الشخص الذي يتم تجنيده من قبل المخابرات المعادية ليندمج ويعيش ويترقي ويتغلل و يتوغل في مفاصل الدولة المستهدفة حتي يصل إلي أعلي المناصب ويظل بلا عمل لمدة قد تزيد علي العشر سنوات يطلب منه أن خلالها يبقي خاملا بلا نشاط حتي تحين لحظة الإستفادة منه فيتحول من الدور السلبي إلي الدور الإيجابي
وهو ما حدث تفصيلا مع العميل الإسرائيلي إيلي كوهين أو  أمين كامل ثابت الذي ضبط في سوريا وتم إعدامه وكاد أن يتولي منصب نائب الرئيس هناك ، بل وهو ما فعلته مصر أيضا من خلال بطلها رفعت الجمال وحكايته الشهيرة التي يعرفها كل المصريين ..
أما كيف يتم السيطرة علي العميل وتجنيده فذلك من خلال ثلاث نقاط ضعف لخصها دان رافيف و يوسي ميلمان في كتابهما أمراء الموساد وهي ( الجنس ، المال ، العقيدة ) لا تتغير أبدا ، ويؤكد علي ذلك صلاح نصر مدير المخابرات المصرية الأسبق في كتابه ( الحرب النفسية ـ حرب الكلمة والمعتقد ) .. حيث تتصيد أجهزة المخابرات بعد دراسات نفسية مستفيضة للشخصية المطلوب تجنيدها إحدي تلك النقاط وتتعامل معها للسيطرة علي العميل عن طريق دفعه دفعا للسقوط في الهاوية وفي اللحظة المناسبة يتم الإنقضاض عليه ليجد نفسه محاصرا وسط شبكة لا فكاك منها فلايجد مناصا من الإستسلام ..
 لكن هل كانت جولدا مائير تعاني من نقطة ضعف ما من تلك التي ذكرناها بالأعلي تجعلها فريسة سهلة ولقمة سائغة للتجنيد من قبل المخابرات المصرية ، المؤكد أن رئيسة وزراء إسرائيل كانت تعاني من شذوذ جنسي واضح  وهو الأمر الذي تم إخفاؤه والتعتيم عليه من قبل اللوبي الإعلامي الصهيوني العالمي ولو بحثت في كافة الموسوعات الإعلامية عن هذه الحقيقة و سر شذوذ مائير لن تتوصل إليها بسهولة حتي موسوعة ويكيبيديا التي يضرب بها الأمثال تم محو كل ما ورد فيها و يتعلق بتلك النقطة تحديدا في حياة مائير عن طريق الموساد الإسرائيلي ..
.. والمعروف لكل دوائر المخابرات العالمية أن مائير كانت تمارس السحاق أحيانا كثيرة مع مديرة مكتبها الخاصة وهو الأمر الذي تكشف بعد ذلك وتسبب لها في فضيحة هائلة ظلت تطاردها طيلة العمر حتي قضت تماما علي تاريخها السياسي في إسرائيل  ..
فهل إستطاعت المخابرات المصرية بما جبلت عليه من ذكاء وقوة أن تسيطر علي رئيسة وزراء إسرائيل عن طريق سكرتيرتها الخاصة في وقت ما سيظل مجهولا حتي قيام الساعة لإستخدامها فيما بعد لصالح مصر ..؟؟
لن نتسرع و سنترك الحكم للقارئ ولعباقرة الموساد في النهاية  كل ما علينا فقط أن  نبحث ونحلل ونستعرض بأقوالهم هم لا نحن ..  لنصل سويا إلي الأسباب التي جعلت هذا الطرح منطقيا للغاية لا معقب عليه حتي من الجانب الإسرائيلي نفسه ..

لنلتقط طرف الخيط  إذن من صبيحة يوم الخميس 4 أكتوبر عام 1973 عندما سارعت جولدا مائير بناء علي طلب من وزير دفاعها موشي ديان بعقد إجتماع هام لوزراء المطبخ الإسرائيلي ( وهو لقب كان يطلق علي مجموعة الوزارء المقربين إلي رئيسة الوزراء ).. تم خلاله دراسة  الوضع علي الجبهتين المصرية والسورية ومناقشة الأنباء الخطيرة  التي وردت عن التحضيرات والحشود الهائلة علي الجبهتين العربيتين ، مع إستعراض كافة الصور والخرائط الجوية التي إلتقطتها أجهزة الإستطلاع و الإستخبارات الإسرائيلية حيث أكد السيجانالوف ( مقدم )  آرييه شيفيه نائب رئيس المخابرات الإسرائيلية والذي حضر الإجتماع لمرض رئيسها إلياهو زعيرا .. أن الوضع علي الجبهة السورية مقلق للغاية وهناك أنباء وردت عن عزم سوريا شن الحرب قريبا إلا أن التشكيل السوري لقواتها العسكرية لا يزال يبدو دفاعيا ...  أما بالنسبة للجبهة المصرية فقد تحدث آلوف ماشنيه ( العقيد )  شاليف وذكر أن مصر تجري مناورة شاملة كعادتها خلال السنتين السابقتين وإن بدا للمتابع أن المصريين يتصرفون كما لو أن هذه ليست مناورة وإنما حربا حقيقية بسبب تشكيلاتهم التي تمثل لغزا حقيقيا محيرا ، وأنهي كلامه بأنه رغم الحشود علي الجبهتين إلا أن التقارير الاردة تؤكد أنه من الغير المنتظر حدوث حالة حرب ..
 إنفض الإجتماع عقب ذلك مع تأكيد من جولدا علي رئيس أركانها ( ديفي ) كما كانت تدللله علي ان يظل متابعا لتطورات الأحداث علي الجبهتين المصرية والسورية ..
 وفي صبحية يوم الجمعة 5 أكتوبر وردت معلومات مجددة  لتل أبيب تفيد ان طائرات نقل سوفيتية من طراز أنتينوف 22 تقوم بعملية نقل جماعي لعائلات الدبلوماسيين السوفيت الذين يخدمون في مصر وسوريا وكان ذلك بمثابة علامات تحذير خطيرة ..!
فكان أن سارع  الجنرال ديفيد بن إليعازر بقعد إجتماع في رئاسة الأركان حضره نائبه الجنرال تال ورؤساء الأفرع و رئيس جهاز الإستخبارات الذي صمم علي موقفه من أن مصر لن تخوض حربا خلال الفترة الحالية وان ما يحدث مجرد مظاهر الهدف منها إستنزاف إسرائيل عن طريق دفعها دفعا لتعبئة الإحتياطي الذي يرهق خزينة الدولة .. ثم أنه من المؤكد حدوث خلاف بين الرئيس السادات وبين الجانب السوفيتي مجددا كما حدث عام 71  فكان علي أثره  أن أمر السادات بترحيل كافة العسكريين السوفيت من مصر ..
 وحدث صدام عصبي في تلك اللحظة بين رئيس الأركان ورئيس فرع المخابرات حين صمم بن إليعازرعلي موقفه من سرعة تعبئة الإحتياطي الإسرائيلي لمواجهة أية عمليات هجومية من المصريين أو السوريين .. وتم رفع الأمر و الإحتكام الي رئيسة الوزراء التي تبنت وجهة نظر رئيس مخابراتها ورفضت بشدة إعلان التعبئة وطلبت من رئيس أركانها الإنصياع إلي أوامرها بحضور موشي ديان وزير الدفاع الذي كان يميل هو الآخر إلي إعلان التعبئة وإستدعاء الإحتياط إلا أنه إضطر إلي الإذعان لرأي رئيسة الوزراء خشية تصادمه معها ..
يقول ديفيد بن إليعازر في كتابه ( مذكرات جنرال ديفيد بن إليعازر )  والتي نشرها لتبرئة ساحته من الفشل وتقديمه ككفش فداء بعد محاكمته أمام لجنة أجرانات .. انه كان علي صواب فيما كان ينتويه إلا أن جولدا بدت غير طبيعية بالمرة وهي ترفض أمرا بديهيا تستدعيه الحاجة لمواجهة الأنباء التي وردت عن الحشود الضخمة علي الجبهات العربية .. إنه أمر عجيب  .. عجيب .. هم اخطئوا وأنا من تم التضحية به بسبب تهاونهم.. !!!
يعلق الصحفي البريطاني كريستوفر روبسون علي رفض مائير الغير منطقي تعبئة الإحتياطي الإسرائيلي  بكتابه ( وسقطت إسرائيل في البحر ) أن المشتغلون بالسياسة وجنرالات الحرب من الخبراء العسكريين يعلمون جيدا أن لحظة فاصلة قد تحيل الهزيمة إلي نصر وأن قرارا خاطئا قد يؤدي إلي هزيمة لا يمكن رتقها بسهولة .. فما الذي فعلته مائير بإسرائيل ..؟؟؟
مازلنا نقرأ في تفاصيل الساعات الحاسمة قبل ان يضرب المصريون ضربتهم ففي تمام الرابعة فجرا من يوم السبت الموافق 6 اكتوبر عقد إجتماع آخر هام بناء علي طلب رئيس فرع  الإستخبارات حينما بدأ الجنرال إلياهو زعيرا يدلي بأنباء مثيرة وردت لإدارته منذ دقائق تفيد عزم مصر وسوريا شن هجوم واسع ضد إسرائيل مساء اليوم نفسه ، إذن الأمر أصبح جد لا هزل فيه ، وعرض إليعازر مرة أخري علي جولدا مائير وموشي ديان إقتراحين الأول أن يقوم السلاح الجوي الإسرائيلي بتوجيه ضربة إجهاض جوية في تمام الواحدة ظهر يوم السادس من إكتوبر للقوات المحتشدة غرب القناة بهدف  إجهاض التحضيرات الهجومية المصرية وكانت قوات سلاح الجو الإسرائيلي في حالة إستعداد كامل منذ ظهر يوم الجمعة .... والإقتراح الآخر يقضي بإعلان التعبة الشاملة لجميع القوات الإحتياطية علي الفور ..

ومنذ بداية الإجتماع ظهر بوضوح مدي إختلاف الرأي بين رئيسة الوزراء من جهة وبين وزير دفاعها موشي ديان ورئيس أركانها من جهة أخري ، فقد عارضت جولدا بشدة توجه أية ضربة إجهاض للمصريين وتعللت بأنه لا يجب أن يظهر أمام العالم أن إسرائيل هي الدولة المعتدية ..؟؟ .. أرجو من القارئ ان يتوقف قليلا ويلاحظ هنا تناقض المواقف ..  فمنذ متي تهتم إسرائيل بمظهرها أمام العالم .. ؟؟ .. ومنذ متي تلقي بالا لأية قيم أو مبادئ خاصة عندما يتعارض ذلك مع  تهديد كيانها
و وجودها ككل .. إنتهت الملاحظة ..
بعد أن إنفض الإجتماع وخرج رئيس الأركان غاضبا بشدة ، وهو يحمل الجميع مسئولية ما قد يحدث ، طلبت جولدا عقد إجتماع ثان وعاجل تحديدا في السادسة من صباح يوم السبت بمكتبها في الكرياه بتل أبيب ، حيث حضره وزير الدفاع موشي ديان وإسرائيل جاليلي الوزير بلا وزارة و الجنرال حاييم بارليف وإنضم إليهم نائبها إيجال آلون والذي حضر علي عجل من مستوطنة ( غينوسار ) حيث كان يزمع تمضية إجازة العيد ، وتم دراسة أمر تلك البرقية التي تقول ان المصريين بصدد الهجوم في السادسة مساء اليوم نفسه ..
  وعندما أبلغ آلون بذلك ابدي إستغرابه قائلا " السادسة مساء ؟؟ .. غير معقول فالمصريون بحاجة إلي بضع ساعات من النهار للعبور بقواتهم الضخمة وبعد ذلك يحتمون بالظلام من ضربات سلاحنا الجوي .. لا .. لا .. ربما لم يكن مقصودا السادسة وإنما الساعة 1600..  أي الرابعة ) ..
هنا وعند ذكر تلك الملاحظة  طلبت مائير من الحضور المغادرة للإنفراد قليلا بنفسها .. والسؤال الذي يطرح نفسه .. لماذا فعلت ذلك ؟؟ وما الذي حدث وقتها وظل مجهولا حتي تاريخه ..؟؟
بعدها بنصف ساعة  و في مكتب مائير تم إستدعاء رئيس الأركان مرة أخري الذي عرض مجددا القيام بضربة إجهاض جوية وكان يتطلع في لهفة ليتم التصديق علي إقتراحه متعللا بأن وجود إسرائيل نفسه  يتهدده الآن خطر بالغ ولا احد يستطيع ان يتحمل مسئولية ما سوف يحدث .. !!  إلا أن رئيسة الوزراء جولدا مائير رفضت وبشدة  التصديق علي طلبه.. !! .. لاحظ هنا صديقي القارئ مدي تصميم جولدا مائير علي رفضها لتوجيه أية ضربة جوية مجهضة للمصريين الذي يهددون وجود إسرائيل نفسها .. وإطرح ألف تساؤل وتساؤل بعدها عن دور الإستخبارات المصرية ونجاحها في السيطرة علي جولدا مائير خاصة عندما تقرأ تعليق رئيس الأركان الإسرائيلي علي موقفها المتشدد هذا ..
حيث يقول الجنرال ديفيد بن إليعازر في مذكراته ( ان جولدا بدت مضطربة وكنت أظن ذلك بسبب الأجواء المتوترة إلا أن تصميمها علي عدم توجيه أية ضربات إستباقية جوية  للحشود المصرية غرب القناة جعلني أتساءل مندهشا بداخلي .. في  أي جانب تعمل رئيسة وزرائنا ..؟؟ ) إنتهت الملاحظة .. بينما لم ينته الأمر عند هذا الحد ..
فقد تدخل موشي ديان وعرض من وجهة نظره أن يتم علي الأقل الإكتفاء بإستدعاء لوائين مدرعين من الإحتياط والدفع بهما إلي الجبهة الجنوبية ـ يقصد سيناء ـ هنا فقط وافقت جولدا مائير وصدقت علي إقتراح  ديان ..!!!!
يقول المؤرخ العسكري والسياسي المصري جمال حماد في كتابه من ( سيناء إلي الجولان ) أن الضربة الجوية المضادة التي كانت إسرائيل تعتزم توجيهها للمصريين لإجهاض إستعداداتهم  لم تكن بأية حال من الأحوال ذات تأثير واقعي ولم تكن لتغير من الأمر شيئا بالنسبة للمصريين الذين وضعوا في إعتبارهم إحتمالية توجيه ضربة جوية لإجهاض تحركهم نحو العبور ووضعوا خطتهم بناء علي ذلك ..  إلا أن رفض جولدا مائير لضربة الإجهاض الجوية تلك يمثل لغزا مازال بحاجة إلي ألف تفسير حتي يومنا هذا .؟؟؟
ويقول أيضا ـ وهنا أخطر ما في الموضوع ـ  انه في نهاية الإجتماع المذكور إتخذت جولدا مائير قرارا يعد من أغرب و أعجب القرارات في تاريخ الحروب علي مدار التاريخ لا يمكن لأي عسكري  أو سياسي عاقل أن يتخذه خاصة عندما يتعلق الأمر بحالة حرب مؤكدة ..
 وهو القرار الذي بحاجة إلي تفسير عسكري واضح من جانب جنرالات الحرب في تل أبيب .. !!!! ..  حيث إقترحت جولدا إقتراحا جنونيا بأن تقوم بإرسال رسالة إلي مصر عن طريق الولايات المتحدة تبلغها فيه بأنها تعرف نواياها في الهجوم عليها بل وموعد ذلك الهجوم تحديدا وتحذرها من رد فعل قاسي ينتظرها من الجانب الإسرائيلي .. وكأنها تخبر المصريين ليتخذوا حذرهم  .. وهي المرة الأولي في التاريخ العسكري التي يخطر فيها طرف ما عدوه بإنكشاف نواياه ..!! ورغم إعتراض وزراء المطبخ الإسرائيلي لخطورة ما تتحدث به جولدا مع وجود حلول عسكرية تستطيع أن تجهض ضربة المصريين المتوقعة ..؟؟؟..  إلا انها تمكست بفكرتها متعللة بأن المصريين عندما تصلهم رسالتها لن يجرؤ علي محاولة العبور للغرب .؟؟؟؟  ..  وهو أمر غير منطقي علي الإطلاق بعد أن إتخذ المصريون قرارهم بشن الحرب ولا يمكن التراجع فيه ..  بل العكس هو الصحيح وهو ما حدث بالفعل عندما تم التعجيل بساعة  العبور بناء علي تلك البرقية الكارثية بالنسبة للجانب الإسرائيلي .. !!
تفسر مائير  هذا القرار العجيب في كتابها ( المحدال ) أو ( التقصير ) .. كنت أحاول أن أجنب إسرائيل ويلات حرب قاسية ..!!!!! .. لا يوجد من جانبنا أي تعليق ..
وتقرر أن تبلغ جولدا مائير بنفسها رسالتها للولايات المتحدة عن طريق السفير الأمريكي في تل أبيب الذي كان موجودا بالفعل خارج غرفة الإجتماع ..؟؟؟ .. وطلبت مائير من السفير الامريكي كينت كيتنج أن يبلغ علي الفور وزير خارجيته هنري كيسنجر الرسالة لإبلاغها إلي المصريين في أسرع وقت ممكن ..؟؟؟ .. هنا يعود التساؤل مرة أخري ليبرز علي سطح الاحداث  عن مدي نجاح المخابرات المصرية في السيطرة علي جولدا مائير حيث لم يكن هناك شك مطلقا في أن كل ما تتخذه من قرارات وحرصها علي سرعة إبلاغ المصريين يصب حتي الآن في صالحهم  .. دعونا نقرأ ما قاله السفير الأمريكي عما حدث بينه وبين مائير ليؤكد طرحنا .. ثم نقرر في نهاية الأمر ..
يتحدث كينت كيتنج عن تلك اللحظة فيقول .. كنت أجلس خارج غرفة الإجتماعات عندما تلقيت أمرا بمقابلة رئيسة الوزراء وعندما دخلت عليها وجدتها مضطربة للغاية وظننت انها ستطلب مني إخطار نيكسون بأية طلبات عسكرية لتضعها تحت تصرف الجيش الإسرائيلي إلا أن آخر ما توقعته أن تطلب مني إخطار السادات عن طريق كسينجر بوردود معلومات مؤكدة لدي القيادة العسكرية الإسرائيلية تفيد نيتة ـ أي السادات ـ  في شن الهجوم عليهم وكأنها تطلب مني تحذيره ليتخذ كافة إحتياطاته .. !! .. وعندما سألتها مندهشا وانا احاول استيعاب موقفها .. لماذا لا توجهون ضربة إجهاض جوية تمنع المصريين من تنفيذ ما إنتووه بدلا من كل هذا وفي إمكانكم أن تفعلوا .. ردت قائلة أنها لا تنوي أن تبدأ هي بالحرب حفاظا علي شكل إسرائيل أمام العالم ... ؟؟ وقد أعدت عليها السؤال أكثر من مرة متعجبا فمنذ متي تهتم إسرائيل بتلك النقطة.. هل انتم مصممون علي ذلك فأجابت في كل مرة  بقولها .. نعم  نحن مصممون ..  نحن مصممون ..!!!!!!!!
والمؤكد ان الرسالة تم إرسالها لوزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر وكان الوقت في نيويورك حوالي الساعة الثانية صباحا من السبت 6 اكتوبر ( بسبب فارق التوقيت بين إسرائيل والولايات المتحدة ) وقد إضطر مسئولو الخارجية إلي إيقاظ كيسنجر من نومه في غرفته بالطابق الخامس والثلاثين في فندق والدورف أستورياكي حيث كان في إستقبال وفود الدول الحضور في الجمعية العامة للأمم المتحدة .. وذلك  ليتسلم رسالة جولدا مائير للسادات ..؟؟؟
ولم تكتف مائير بذلك بل أرسلت برقية عاجلة إلي القنصلية الإسرائيلية في نيويورك ليقوم القنصل الإسرائيلي بإبلاغ الرسالة لأبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الموجود بنيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة ليخطر بها كيسنجر الذي هرع علي الفور وايقظ الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وأبلغه بمضمون رسالة مائير فبدا متعجبا مندهشا .. خاصة أن برقية مختلفة وصلت قبلها بساعات من موشي ديان إلي الملحق العسكري العميد موتي جور ليخطر المسئولين العسكريين بالبنتاجون بأمر الهجوم المصري السوري المحتمل  للعمل علي تأمين الإمدادات العسكرية لإسرائيل !!
يتحدث كيسنجر عن رسالة مائير قائلا.. أن نيكسون بدا مندهشا من أمر تلك البرقية وهو يفرك عينيه .. إلا أنه لم يجد بدا من أن إخطار كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة للمباردة بالإتصال بالرئيس السادات لإخطاره بأمر برقية مائير المزعجة وهو ما قد حدث.. بل العجيب أن رجال الإستخبارات الأمريكية أنفسهم لم يتوقفوا ولو لثوان أمام  البرقية التي أثارت دهشة رئيسهم و وزير خارجيتهم ليطرحوا سؤالا هاما للغاية ..  ماذا لو علم  المصريون بإنكشاف نواياهم ..؟؟ .. بل بحثوا عن الدكتور محمد حسن الزيات وزير خاريجة مصر الذي كان موجودا بنيويورك لحضور إجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة .. و أبلغوه بالفعل
ويثور التساؤل الهام .. عن دور تلك البرقية الخطيرة في قيام القيادة المصرية بتقديم ساعة الصفر للعبور لتصبح الثانية ظهرا ..  فالمعلوم لكل الخبراء والمتابعين و المحللين أن أمرا ما حدث تغير علي أثره ساعة العبور المصري من السادسة مساء إلي الثانية ظهرا  .. وهو الطرح الذي قتل بحثا من جانب أكاديميات عسكرية عديدة .. وإنتهي إلي نتائج مختلفة منها أن الموعد الحقيقي كان الثانية وأن السادات تعمد إرسال برقية خادعة عن طريق أشرف مروان للجانب الإسرائيلي للتضليل وهو ما نفاه الموساد بل إدعوا غير ذلك تماما .. وهناك من أكد أن الملك حسين خوفا من رد الفعل الإسرائيلي قد أخطر الإسرائيليين بساعة الصفر للعبور وأن السادات كان يعلم بما سوف يفعله فقرر تضليله  إلا هذا الطرح لم يجد صدي مقبولا لدي المتابعين والمحللين لأنهم لم يجدوا ما يؤكده  .. فماذا إذن عن برقية مائير للسادات .. التي هي الآن ليست محل شك إطلاقا .. وهو الأمر الوحيد المؤكد و الموثق وبأقوال الخبراء المحايدين وبإعتراف الجانب الإسرائيلي والأميركي نفسه ..؟؟..  ما هو تفسيرها وما هو تأثيرها علي تغيير مجري الحرب .؟؟ ..
الخلاصة أن مائير قدمت خدمات جليلة لا يمكن إنكارها من الجانب الإسرائيلي و لا تفسير لها سوي عمالتها للمصريين .. أولها رفضها توجيه ضربة إستباقية لهم .. ثانيها .. رفضها إعلان التعبئة العامة وهو ما اضاع وقتا ثمينا جدا علي الإسرائيليين في توجيه هجوم مضاد فتمكن المصريون بذلك من تثبيت رؤوس الكباري  .. ثالثها وأغربها وأخطرها أن تقوم بإخطار عدوها  ليتخذ حذره ويعجل بالهجوم ليفاجئ الجيش الإسرائيلي ويدحره في سيناء .. فلا نجد بدا إذن في النهاية من أن نشكر مائير علي حسن تعاونها معنا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق