أبوحنيفة قال «ماتنقضش»!!
شفيق نور الدين دارس «الميكانيكا» الذي أصبح مهندس التمثيل
مرت
الذكرى الواحدة والثلاثون لرحيل الفنان القدير شفيق نور الدين من دون أي
احتفاء يليق به وبما قدمه للساحة الفنية، رغم أنه يعد واحداً من الفنانين
القلائل الذين تركوا بصمة كبيرة على صعيد السينما أو المسرح أو التلفزيون
أو الاذاعة، رغم حصره في نوعية من الأدوار ذات الطبيعة الخاصة التي كانت
تتناسب مع شكله وتكوينه الجسماني، ومن أبرزها شخصية “الرجل الطيب” أو
“الموظف البسيط” أو “الخادم” أو “البخيل” وهو الدور الذي اشتهر به في عدد
من الأعمال الفنية.
سعيد
ياسين (القاهرة) - ولد شفيق نور الدين في 15 سبتمبر عام 1911 في إحدى قرى
محافظة المنوفية “وسط دلتا مصر” وشاهد في صغره عروض الفرق التمثيلية
المتجولة، وكان شائعا منها في ذلك الوقت تمثيليات “الفرقلة” التي يبدو فيها
الممثل كالبلياتشو، وبهرته هذه الظاهرة المسرحية فقام بتكوين فرقة من
تلاميذ القرية لتقديم فصول تمثيلية في الأفراح والمناسبات في “جرن” القرية.
أدوار ثانوية
ورغم أنه درس الميكانيكا في مدرسة
الصنايع، فإنه سرعان ما التحق عقب استقرار أسرته في القاهرة بقاعة
المحاضرات المسرحية عام 1931، حيث تتلمذ على يد جورج أبيض وزكي طليمات، كما
درس بمعهد التمثيل الاهلي عام 1933.
وانضم
بعد ذلك إلى فرقة جورج أبيض، وكان يؤدي فيها أدواراً ثانوية وفي عام 1936
التحق بالفرقه القومية بلا أجر، ثم عين ضمن مجموعة من الهواة بمكافأة شهرية
قدرها 3 جنيهات بعد اجتيازه اختباراً أمام المخرج عزيز عيد.
وظل
شفيق يعمل لعدة سنوات ملقناً ومؤدياً لأدوار ثانوية إلى أن أسند إليه فتوح
نشاطي دور “الكاهن” في مسرحية “توت عنخ آمون” عام 1942، وقدم الدور بنجاح
لفت اليه الأنظار، وهو ما دفع زكي طليمات عام 1944 ليسند إليه دور “أبو
شوال” في أوبريت “عزيزة ويونس”، واستمر نشاطه في التمثيل بعد ذلك لمسرح
جورج أبيض حتى إحالته إلى التقاعد عام 1981.
مسرح وسينما
وشارك
في بطولة العديد من روائع المسرح وتحديداً خلال فترة الستينيات من القرن
الماضي، ولا تزال أدواره محفورة في وجدان جمهوره ومنها “البواب” في مسرحية
“شقة للايجار”، و”عبدالموجود” في “الصفقة”، و”قمحاوي” في “ملك القطن”،
و”الشاويش صابر” في “السبنسة”، و”الأستاذ منجد” في “القضية”، و”الطواف” في
“عيلة الدوغري”، و”السائق” في “سكة السلامة”، و”كروان” في “حلاوة زمان”،
و”القاضى ازداك” في “دائرة الطباشير”، و”الاسكافي” في “الاسكافية العجيبة”،
كما شارك في مسرحيات “بير السلم” و”المسامير” و”راسبوتين” و”مضحك الخليفة”
و”سر الحاكم بأمر الله” و”العشرة الطيبة” و”تاجر البندقية” و”كوبري
الناموس” و”الفتى مهران” و”المهزلة الارضية”.
كما
شارك في بطولة نحو مئة فيلم تنوعت بين الدينية والتاريخية والاجتماعية
والتراجيدية والرومانسية والغنائية وتعاون فيها مع كبار المخرجين من أمثال
حسن الامام، وصلاح أبو سيف وبركات ونيازي مصطفى وشادي عبدالسلام وتوفيق
صالح وبدأها عام 1944 بـ “طاقية الاخفاء”، وشارك في “ليلى بنت الفقراء” مع
ليلى مراد وأنور وجدي الذي تعاون معه بعد ذلك في أفلام “ياسمين” و”دهب”
و”أربع بنات و ضابط” و”أمير الدهاء”.
أعمال خالدة
وخلال
فترة الخمسينيات شارك في بطولة العشرات من الافلام المهمة والخالدة، ومنها
“الأفوكاتو مديحة” مع مديحة يسري ويوسف وهبي، والاستاذة “فاطمة” مع فاتن
حمامة وكمال الشناوي، و”الام القاتلة”، و”ريا وسكينة” و”بلال مؤذن الرسول”،
و”بائعة الخبز” مع أمينة رزق وشادية وماجدة، و”حب في الظلام “ مع فاتن
حمامة وعماد حمدي، و”ثورة المدينة” مع محمد فوزي وصباح، و”المتمردون” و”درب
المهابيل” مع شكري سرحان وبرلنتي عبدالحميد، و”بحر الغرام” مع ليلى مراد
وحسين صدقي، و”سمارة” مع تحية كاريوكا ومحسن سرحان، و”المفتش العام” مع
تحية كاريوكا، و”القلب له أحكام” مع فاتن حمامة وأحمد رمزي، و”بورسعيد” مع
فريد شوقي وهدى سلطان، و”فتى أحلامي” مع عبدالحليم حافظ الذي تعاون معه
لاحقاً في فيلمي “ليالي الحب” و”معبودة الجماهير”، و”امرأة في الطريق” مع
هدى سلطان ورشدي أباظة وشكري سرحان، و”سيدة القصر” مع فاتن حمامة وعمر
الشريف، و”بين السماء والأرض” مع هند رستم وعبدالمنعم ابراهيم، وشارك مع
اسماعيل ياسين في بطولة فيلمي “إسماعيل يس في الطيران” و”في السجن”.
تمثيليات إذاعية
ورغم
قلة أفلامه خلال الستينيات مقارنة بالخمسينيات لتركيزه على المسرح فإنه
أدى أدواره فيها ببراعة فائقة، وكانت بمثابة دروس عملية فى التمثيل للأجيال
التالية، كما ظهر في أفلام “لوعة الحب” مع أحمد مظهر وشادية وعمر الشريف،
و”شاطيء الحب” مع فريد الاطرش وسميرة أحمد وتحية كاريوكا، و”مراتي مدير
عام” مع شادية وصلاح ذو الفقار، و”القاهرة 30” مع سعاد حسني وأحمد مظهر،
و”العيب” مع رشدي أباظة ولبنى عبدالعزيز، و”نفوس حائرة” مع أحمد مظهر
وميرفت أمين، و”يوميات نائب في الأرياف” مع أحمد عبدالحليم، و”نادية” مع
سعاد حسني وأحمد مظهر، و”شياطين الليل” مع فريد شوقي وهند رستم.
وخلال
السبعينيات تنوع نشاطه بين السينما والتلفزيون، حيث شارك في أفلام “شلة
المراهقين” و”لعبة كل يوم”، و”المومياء” مع أحمد مرعي ونادية لطفي،
ومسلسلات “الرحيل” و”الفلاح” و”الساقية” و”عيلة الدوغري” الذي قدمه عام
1980، كما شارك في بطولة العديد من التمثيليات الاذاعية ومنها “المماليك”
و”عيلة سي جمعة” و”نوادر جحا” و”رحلة عم مسعود”.
جوائز ورحيل
حصل
شفيق نور الدين خلال مشواره على العديد من الجوائز، وتحديداً عن أدواره في
فيلمي “شياطين الليل” و”المتمردون”. وتزوج من خارج الوسط الفني من ربة
منزل من قريته وأنجب منها ستة أولاد هم “عايدة” التي عملت بالتدريس،
و”سمية” مديرة بنك مصر، و”عائشة” وتعمل مهندسة، و”نبيل نور الدين” وهو
الوحيد من أبنائه الذي اتجه الى التمثيل و”مديحة” و”محمد”. وظل يعمل حتى
آخر أيامه، حيث توفي عام 1981 عن عمر يناهز 70 عاماً.
شفيق نورالدين هو ممثل مصري قديم، شديد الرقي والاجتهاد وأدي
الكثير من الأدوار الرائعة في الأفلام الأبيض والأسود.. هو صاحب وبطل رئيسي
للمرحلة التي نعيشها الآن.. الحق أقول إن هذا التفسير لم يكن تفسيري إنما
كانت كلمات الناقدة مايسة زكي داخل المجلس الأعلي للثقافة وهي تطالب بعودة
مسرح «الجرن» جاءت كلماتها علي خلفية إحدي قصص فتيات الريف اللاتي تم
تدريبهن خلال المشروع والاطلاع علي ما كتبته من قصة قصيرة عبرت بدلالة
فائقة عما تعانيه وهو ما رواه الكاتب عزالدين نجيب حينما وجد فتاة صغيرة
ترتدي «النقاب» بالمرحلة الإعدادية وتقدم قصة قصيرة عن «شأفة» أي جزء من
جرة مكسورة تتحدث عن نفسها وكيف كانت وكيف أصبحت مجرد قطعة فخار غير مرئية
ليلتقطها أحد المارة وينظفها وتعود لها ألوانها الزاهية وتشعر بذاتها
الشأفة «لم تكن القصة بعيدا عن التأويلات مجرد قصة عابرة كتبتها طالبة في
عمر الزهور حجبها شيء ما عن الحياة وهو ما استفز مايسة زكي لتعلن بانفعال
أن شفيق نورالدين في فيلم «مراتي مدير عام» هو بطل المرحلة بلا منازع قد
تكون قارئي العزيز متذكرا دور شفيق نورالدين موظف المصلحة الحكومية الذي
يرفض مد يده للسلام علي المديرة – السِت – بكسر السين لأنها ببساطة من وجهة
نظره تنقض وضوءه ففي كل مرة يأتيه الساعي بـ «القبقاب» لإعادة الوضوء
والتطهر من لمس المديرة التي يراها مجرد أنثي تفسد وضوءه، حتي يأتي المشهد
العبقري الذي تستطيع خلاله المديرة «شادية» إثبات أنها منتجة عظيمة وعاملة
وقورة تحترم بيتها وعملها وزملاءها، فعندما يثبت للموظف أنها منتجة وقائدة
بمعني الكلمة هنا يرفض شفيق نورالدين الوضوء بعد أن يبادر هو بالسلام ويلمس
يديها «المنتجتين» ويعلن صرخته المشهورة «أبوحنيفة قال ماتنقضش». هكذا
كانت المعادلة أبوحنيفة قال رأيه كإمام في لمس المرأة والسلام عليها أنه لا
ينقض الوضوء متي استعان الموظف البسيط بهذه الفتوي؟ عندما تأكد أنها منتجة
ونبيلة وإنسانة عادية خلقت مثله تماما يمكنها الإنجاز والإنتاج لدفع سير
الحياة.. المرأة نصف المجتمع وتأتي بالنصف الآخر، هي الأم والأخت والزوجة
والابنة والحبيبة والوطن، ولأنني لا أفضل استخدام «الأكليشيهات» سأترك
قارئي العزيز يبحث عن «مراتي مدير عام» والذي تم إنتاجه في الستينيات، هذا
الزمن الجميل ليتأمله جيدا خاصة ذلك المشهد الجميل والذي يظهر فيه المراكبي
وزوجته كلاهما يقود المركب للأمان، أحدهما يصطاد والآخر يقود لتستمر
الحياة، وكثيرا ما نجد تسجيلات للزعيم جمال عبدالناصر يتحدث فيها عن دور
المرأة في العمل كما هو دورها في النضال الوطني وسجلات التاريخ تشهد وتسجل
حتي لو كتبه المنتصرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق