عمار يا أم الأمة والدنيا
الكل يتساءل، لماذا سرقت مصرُ الأضواء من كل ما يجري على الكرة الأرضية؟ فهي ليست دولة نووية يخشى
أن ينفرط عقد السلطة فيقع هذا السلاح بيد متطرفين، ولا هي عظمى يتدهور الاقتصاد والأمن العالميان بأحداثها،
لكنها بالمنطق محرّك أساسي لكيان عربي يعد الأخطر في موقعه وثرواته وتلاقيه مع قارات العالم، وعودة مصر
للأضواء أدت لأنْ تقول إسرائيل إن الإخوان المسلمين سيحكمون مصر، وكأن من يحكمها ليس أكثر تطرفاً
واستهتاراً وتعالياً دينياً يزاوج بين خرافة شعب الله المختار، وبين الوعد الإلهي الذي يعطيها الأرض من الفرات إلى
النيل، وهذه الأحلام دفعتها لمحاولة تشويه الثورة الشعبية التي لا يزعم أي تنظيم أو فصيل وحزب أنه أداة تحريكها
وقيادتها، بل جاءت لتحدث صدمة لم تدرك إسرائيل التفاعل الشعبي، والتحولات الجذرية التي أعطته القدرة على
كسر المحرّم والخروج لفرض الحقوق بدلاً من أن تمنّ بها أي سلطة على الوطن..
ارتفع ضغط الدم عند أمريكا كصدى لمخاوف إسرائيل، تناقضت تصريحات مسؤوليها مرة برفع الصوت، وأخرى
بانخفاضه، حرّكت أساطيلها حول المياه المصرية، لكنها نسيت أنها من عطّل بنود السلام، وبارك الاستيطان، وقتل
عروبة العراق، واتبع سياسة تعميم الفوضى لصالح الحليف الإسرائيلي..
المنطقة ليست ساحة لعبة لدولة صغيرة مثل إسرائيل تتدثر بعباءة القوى الغربية مجتمعة، وليست فضاءً مفتوحاً
لأمريكا كي تطلق الأوامر والضغوط، وتباشر المواجهة بمصطلحات الفراغ الأمني والسياسي، والقوة الناعمة،
وشن الحروب بغطاء أيدلوجيا المحافظين الجدد، أو ما قالوا إنهم ينفذون وعداً إلهياً بغزو العراق وأفغانستان،
متناسين القوة الشعبية العربية والتي ليست عمياء صماء عن مجريات التاريخ والعصر..
إيران رأتها امتداداً لثورة الخميني، وهي تخرصات لا علاقة لها بما يجري في المنطقة كلها، لأن في الداخل الإيراني
غلياناً مقموعاً لم يُتح له أن يصادق على قرار الثورة الشعبية المضادة، والإرهاصات قائمة، لأن الحرية لا يقررها
سلطان أو مرشد، أو شيخ وآية عظمى، بل الذين لديهم قابلية الحركة بدوافع وعيهم وإرادتهم، وبالتالي فالثورة
العربية الراهنة تحمل البصمة والشخصية العربية البحتة، فقد شارك المجتمع بطبقاته ودياناته وملله بالخروج
للشارع في التعبير التلقائي، (بأن الدين لله، والوطن للجميع)..
لا نستطيع الحكم على النتائج الآنية، ولكنها ثورة من العيار الثقيل جداً، وحتى لو سكَنت بناء على وعود لا تنفذ، فإن
الخصومة بين أي سلطة ستكون مع الشعب والذي أدرك أنه لا يخاف أو يطمر رأسه في المخدات الخشنة أو الناعمة،
ويبقى الوطن الكبير، هو من أملى إرادته وفرض حقوقه، في عودة مباشرة لعقل جديد لا يقبل أنصاف الحلول،
والذين يراقبون الساحة، يدركون أنها ثورة شعبية بلا مقاييس
تحريك الشوارع العربية إلى ثورة على السائد، هو صدى لدوافع لم نقرأها بشكل صحيح، وهذا ليس خطأ هذا الجيل،
وإنما عزلتنا التي فرضناها على أنفسنا بالتباعد عنهم، والصورة الأجمل نراها عند الساسة والرأي العام العالمي
الذي بهرته الانفجارات التي قادها جيل كسر عناد السلطات ورفض الاستكانة أو الرعب من الملاحقة والسجون،
وهي خطوات غيّرت الأفكار والمعالم..
الوقاية خير من العلاج لأن العلاج سيكون مكلفا جدا وباهظا خاصة عندما تضطرم النيران وتحتاج لتدخل كي يتم إطفاؤها . والاستعانة بمطافئ الدول الأخرى له ثمنه الكبير .
( إن النار من مستصغر الشرر ). فترك الشرارات تتوالد عشوائيا وفي كل مكان هو ما يجعلها تضطرم ، فعدم الاهتمام لها تماما مثل النفخ عليها ..
يارب احفظ مصر ليس لأهلها فقط ولكنوللبشرية فهي كنز كبير .
ويارب ابن مصر حجرا على حجر. وعمار يا مصر عمار يا أم الأمة والدنيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق